الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة حتى لا تكون الرّياضة قربانا للسّياسة

نشر في  31 ماي 2014  (21:29)

كنا تطرّقنا على أعمدة أخبار الجمهورية في أحد أعدادنا الفارطة إلى ظاهرة خطيرة وعقلية لم نألفها من قبل بدأت تترسّخ يوما بعد يوم لدى عدد لا بأس به من الناس، وتتمثّل في تراجع الشعور بالإنتماء للوطن مقابل عودة ظاهرتي العروشية والجهويّة، وقد أشرنا حينها إلى أن الإنتماء للحزب السياسي والجهة والقبيلة والحُومة وللنادي أصبح يمرّ قبل الوطن أحيانا نتيجة عوامل عديدة أترك للمتخصّصين في علمي الإجتماع والنفس مهمّة تحليلها وتفسيرها. أعود مجدّدا لطرح هذا الموضوع لكن من زاوية أخرى هذه المرّة للتّأكيد على خطورته وتداعياته، لأن انتفاء الشعور بالفخر بالإنتماء للوطن واضمحلاله لدى البعض سيكرّس -دون شك- عقلية الأنا وحبّ الذات التي باتت تُسيطر على عدد هام من الناس، والتي كان من تبعاتها العزوف عن القيام بواجبات المواطنة مقابل ارتفاع مجنون وغير مسبوق للمطالب التي تدور كلّها في حلقة الزيادة في الأجور والحوافز والمنح، دون أن يُواكب ذلك انصراف للعمل وزيادة في الإنتاج ورفع في الإنتاجية، بل على العكس من ذلك تراجع المردود وتدنّت المردودية وانخفضت ساعات العمل وتحوّلت العديد من الإدارات العمومية إلى فضاءات للأنترنات وللإدمان على مواقع التواصل الإجتماعي على حساب العمل ومصلحة المواطن والوطن. ولا شك في أن تراجع هيبة الدولة وسلطة القانون وكلمة المسؤول ساهم في هذه الظاهرة وظواهر أخرى أدّت إلى انفلاتات ما كان لها أن تحصل في وقت تحتاج فيه البلاد لمجهودات إضافية لتحقيق جرعات أخرى من الحريّة والكرامة والتنمية والتشغيل والديمقراطية. فهذه الشعارات الرنّانة التّي تتردّد اليوم على أكثر من لسان وخصوصا ألسنة السياسيين إلى درجة أصبحت كالملح الذي لا يغيب عن الطعام لن تتحقّق بالتباكي والتّكاسل والإضرابات والإعتصامات وعقلية التّواكل والمصالح الشخصية والحزبية التي طغت على المصالح الوطنية.. وانطلاقا من الواقع المعيشي لم يعد أيّ قطاع ولا مجال من المجالات يخلو من هذه الظاهرة، بدليل أن الرياضة تأثّرت هي أيضا بمثل هذه الممارسات والعقليات إلى درجة امتناع لاعبين دوليين «محترفين» عن الإلتحاق بالمنتخب الوطني وتعزيز صفوفه على غرار ما حصل مؤخرا مع اللاعبين عبد القادر الوسلاتي وسامي العلاقي وأنيس بن حتيرة وفابيان كامو ووهبي الخزري، بعد أن كان مجرّد الحضور في القائمة الموسّعة لنسور قرطاج حلما يراود كل اللاعبين وشرفا يسعى لنيله الجميع. وبقطع النظر عن الأسباب والدواعي التي برّر بها اللاعبون غيابهم، نعتبر تصرّفهم إنحرافا خطيرا ومُؤشّرا سلبيا على العلاقة المستقبلية بين اللاعبين والمنتخب ومن ورائه الجامعة التونسية لكرة القدم، هذه الجامعة المُطالبة اليوم -وأكثر من أي وقت مضى- بالتحرّك وبسط سلطتها الأدبية لإيقاف هذا التيّار الذي قد يقضي على ما تبقّى لنا من بصيص أمل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في كرتنا البائسة والتّي باتت بحاجة ملحّة -مثلما أكدنا على ذلك مرارا وتكرارا- للعلاج والإصلاح والمراجعة. شخصيا لا أعتقد أن هؤلاء اللاعبين كانوا سيتصرّفون على ذلك النحو لو تعلّق الأمر بنواديهم، بل لا أظنّهم يفكّرون ولو لمجرّد التفكير في التّمارض أو إدّعاء الإصابة لأن مثل هذه الممارسات والعقليات لا مكان لها في النوادي المحترفة بمن فيها تلك التي تنتمي للدرجة الثانية، ولأن حياة اللاعب ورزقه وراتبه وحوافزه كلّها مرتبطة بناديه، ومن هنا يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود وتُصبح الحقيقة ساطعة كالشمس ، وهي أن لاعبينا أو لنقل البعض منهم حتّى لا نضع الجميع في سلّة واحدة، لا يُفكّرون سوى في أنفسهم ومصالحهم وجيوبهم، وهو ما يُؤكّد ما ذهبنا إليه عندما قلنا إنّ المصالح الشخصية والمكاسب والمغانم المالية أصبحت هي التي تتحكّم في نوعية العلاقة بين المواطن ووطنه، وبالتّالي فإنّ الشعارات والتصريحات التي نسمعها بين الفينة والأخرى عن التّضحية من أجل الوطن والذوبان في سبيله وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة هي للإستهلاك الداخلي و»البروباقندا» الإعلامية لا غير، ولكم أن تنظروا إلى ما يجري حولكم لتتأكّدوا أن الحياة أصبحت عبارة عن مسرحيّة يلعب فيها المنافقون والمُتلوّنون وأصحاب المنافع واللاهثون وراء الكراسي أدوار البطولة، وبالتالي لم يعُد هناك معنى للوفاء والصدق والحب والنزاهة بقدر ما فُسح المجال للغدر والكذب والخيانة والحقد والشرّ والخداع.. وهكذا أصبحت العلاقات مبنية على المصالح سواء كان ذلك في السياسة أو الرياضة أو الحياة العامة والخاصة للناس، وعلى قدر المصلحة وأهمّيتها يكون الانبطاح «والتّلحيس» «والتّقفيف» وما يحدث في الساحة كفيل بتأكيد هذا الوضع خصوصا ونحن نشاهد كيف تجمع المصلحة بين عدُوين لدودين في السياسة وكيف يتحوّل من كان بوقا للدعاية سابقا إلى مناضل شريف، وكيف تجري وتلهث أحزاب وراء شخصيات ورموز من النظام السابق كانت ترميها بأبشع النّعُوت قبل أشهر وهاهي اليوم تستشهد بكفاءتها ونظافتها وعفّتها... ذلك هو المجتمع الذي نعيش فيه، وتلك هي العقلية السائدة لدى طائفة كبيرة من الناس لا تعرف القيم ولاتعترف بالمبادئ، وبالتالي فإن تصرّفات بعض الرياضيين وإن كانت لا ترتقي إلى درجة خطورة ممارسات عدد من السياسيين فمن النفاق تجاهلها والسّكوت عنها وإلّا استزدادت استفحالا، وسقطت الرياضة في براثن أهل الساسة والسياسة.

بقلم عادل بوهلال